top of page

مثل طريف للتواصل الثقافي

  • صورة الكاتب: عمار جحيدر
    عمار جحيدر
  • 15 أبريل 2023
  • 4 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: 12 مايو 2023




عالم ليبيٌّ يؤلِّف كتاباً ترحيباً بضيفه العالم المغربي الزائر في أوائل القرن الثامن عشر

يُعَدُّ علي بن عبد الصادق (ت 1138هـ/ 1725م) من أبرز العلماء الليبيين وأكثرهم تأليفاً خلال العهد العثماني الأول – وأوائل العهد القرمانلي، وكان مقيماً بساحل الأحامد بالقرب من موقع مدينة الخمس المعروفة اليوم الواقعة شرقي طرابلس بنحو 120 كلم. وقد حاولتُ في مناسبة بحثية سابقة أن أقدِّم ثبتاً أوليّاً بما عُرف من مؤلفاته التي ضمَّت عدة كتب ورسائل في الفقه والعقائد والتصوف والطب والسيرة النبوية . ويهمُّنا منها في هذا المقام كتاب في التصوف بعنوان (نور البصر في نتائج الفكر)، وتوجد منه نسخة ناقصة بمكتبة الأوقاف ، وهو كتاب على قدر كبير من الطرافة، تشدُّنا روعة أسلوبه في كثير من المواضع، وقد استقاه من معارف شيخه الصوفي محمد بن سعيد. وقد يؤكد الدرس العميق لآثار ابن عبد الصادق أنَّ هذا الكتاب أهمُّ مؤلفاته، لذلك أجدني مدفوعاً إلى إطالة الاقتباس منه. قال في أوله: "لما ابتلينا في هذه السنين القريبة، بأنواع من الفتن المفيضة للقلوب وللأجسام مذيبة، ألبسنا الحقُّ من أنوار وصفه جلبابا، وكسانا من وجود نعمته أثوابا، وفتح لنا للفهم عنه أبوابا، فقوَّانا ذلك لأعبائها، وصبرنا على لأوائها، وأعاننا على حمل أقداره، والرضا بحكمه واختياره، وعلَّمنا أنَّ العطايا، في طيِّ البلايا، وليس ذلك لمن عقل واستبصر، وأجال في ملكوت أرضه وسمائه الفكر، ويدخل في ذلك الارضون الحسيَّة والمعنوية، والسماوات العلوية والسفلية، والدنيا والآخرة، وما في ذلك من أنواع العقوبات والمثوبات الفاخرة، وذلك أنَّ الفكرة في ذلك تنتج المعرفة واليقين، والحيا و(...؟) من رب العالمين، والخوف من عقابه، والرجا في ثوابه، والفهم من الله والتلقي عنه والحب فيه والمراقبة له، إلى غير ذلك من أنواع اللطائف، ولطائف المعارف، التي لا يصل إليها إلا أهل الشوق، ولا تدرك حقائقها إلا بالذوق".

ويعود من جديد للتركيز على تلك (الفكرة)، محدداً موضوع كتابه، "فقد تبيَّن بهذا شرف الفكرة وأنَّها أصل هذه الأنوار الجالبة للأسرار، وسبب التوفيق لمسالك التحقيق، بلا شك في ذلك ولا ريب، لكن تارةً تستحضر وتارةً تغيب، فطوبى لمن جعلها مطيَّة عزمه، وبلغ بها غاية مناه من فهم الكتاب وعلمه، فأردتُ من أجل ذلك أن أثبت ها هنا مما فتح لنا من نتائجها في معنى الآيات، على طريق أهل التأويل والإشارات، وفي أنَّ الأقوال والأفعال تحتاج إلى النيَّات، ولا سيما المفروضة كالصلوات، وما يكون لنا وللمؤمنين إن شاء الله نافعا، ولخير الدارين جامعا، و(يوم) الجزاء شافعا، ويكتبه لنا شكرا، وإن كان قليلاً نزرا، إظهاراً لفضله، وتشبُّها في هذا الشأن بأهله، وتبرُّكاً بفعلهم، والتماساً لفضالة فضلهم، لا استظهاراً على الاخوان، ولا افتخاراً على الأقران، وذلك بحسب الوارد وقت الكتب لا قبله ولا بعده، وربما أذكر من كلام أئمتنا العارفين ما يؤيده، ويقاربه في المعنى ويسدِّده". ومن الطريف حقّاً أن يؤلف كتابه هذا إكراماً لضيف من علماء المغرب، إذ يقول: "واعلم أنَّ من أجل البواعث على تأليفه، وأقوى الأسباب لتصنيفه، قدوم السيِّد الأديب، والعالم الأريب، الشيخ الفاضل، حاوي الفضائل، الأخ الصفي، والمحبِّ الوفي، أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الراشدي الشهير بالماحي – أحمد الله عاقبته، ونوَّر سريرته – من المغرب، وذلك أنَّه لما مرَّ بنا أوائل رمضان في رحلته المشرقية، سنة سبع عشرة بعد المائة ، قدم لنا بعض أصحابه كتاباً من شيخنا الأستاذ أبي عبد الله محمد بن سعيد – رضي الله عنه - ذكر لنا فيه مقامه وأوصانا فيه بملاقاته، ومشايعته إلى محل بياته، فبادرنا لذلك بنيَّة التبرُّك والامتثال، والتقينا به وبأصحابه وسررنا بالحال، لكن لم يتيسر له آنذاك عندنا نزول، ووعد بذلك بعض الاخوان عند القفول، فأحببتُ من أجل ذلك أن نجعل (كذا) هذا الكتاب، إكراماً لنزله عند الباب، وأداءً لحق أخوَّته، والتماساً لبركة دعوته، واتباعاً لسلفنا في أنَّهم لا يجتمعون إلا على الوفاق، ولا يفترقون إلا عن ذواق، وأنت خبير بأنَّ ذوق العلوم، أفضل من ذوق الطعوم، فذوق العلوم لأولى الألباب، وذوق غيرهم الطعام والشراب، وإن كان الجمع بينهما أبلغ في حصول الأجر والثواب، وعلى الله المعتمد في بلوغ التكميل، وصحة التأويل، وبه الاستعانة فهو حسبي ونعم الوكيل، وسمّيته بمقتضى وضعه: (بنور البصر في نتائج الفكر)، ليكون اسمه موافقاً مسمّاه، ولفظه طباق معناه". ومن أطرف فقراته تصويره للصلاة: "فكما أنَّ الجنَّة قصورها لبنة من ذهب، وأخرى من فضة، وملاطها المسك، فالصلاة بناؤها لبنة من قراءة، ولبنة من ركوع، ولبنة من سجود، وملاطها التسبيح والتحميد" ... "وأنت إذا أطلقت في صورتها ثاقب النظر، وأجلت في معانيها الفكر، تجدها مخلوقة من الحياة النفسية والروح الروحانية، لها رأس ويدان، وجسد ورجلان، فاستحضار النيَّة روحها، وتكبيرة الاحرام رأسها وفتوحها، وأمُّ القرآن الواقية، نفسها النفسية الزاكية، والتسميع والتكبير، جسدها الطاهر المنير، ويداها الركوع والسجود، ورجلاها السلام من قعود، وهذه الصورة في التمثيل يعرفها كل عالم نبيل، تخرج لمن تعقَّلها ذخائر كنوزها، وتبذل له نفائس محروزها، وتطلع له شمس بروزها" . لا نعلم على وجه الدقة نسبة الأصيل إلى المنقول من عباراته في هذا الكتاب، ولكنَّ المؤلف لا ينكر فضل أستاذه ابن سعيد عليه، إذ يؤكد ذلك في (الخاتمة) بقوله: "اعلم أنَّ جميع ما احتوى عليه هذا الكتاب من علوم أولي الألباب، ونفائس شيخنا الأستاذ والقطب الملاذ أبي عبد الله سيدي محمد بن سعيد – رضي الله عنه ونفعنا به وبعلومه في الدارين – على لسان العبد الفقير، وقلم التوشيح والتحبير، ليس لي فيه إلا الاصغاء لمدد الملك القدوس، ورقم البنان في مسطور الطروس، والقصد بذلك رقم المعان في صدور الاخوان، وجميعه من معنى قول شيخنا المذكور، في بعض كلامه المزبور" ... "فإذا أمعنت النظر وأجلت الفكر فيما ذكرناه في هذا الكتاب جميعه، ورفعت تخته عرفت ما تحته، وأنَّه من بحر مدد هذه الكلمات البديعة والإشارات الرفيعة، والألفاظ النضيرة ذوات المعاني الكبيرة التي خرجت من أنفاس هذا الوارث الإمام بحس المدد والإلهام إلى فقراء الملَّة، ومساكين الذلَّة، وأيتام الصبر، وأبناء سبيل الشكر، ومؤلفة القلوب لمحبَّة المقام، والعاملين على الطهارة من العيوب والآثام، وعتق الرقاب من أسر النحوس وجهاد النفوس" . والكتاب مبتور الآخر تنقصه ورقة أو أكثر، وآخر الموجود منه: "واعلم أنَّ جميع ما ذكرناه من هذا الكتاب من معنى الكلمات الأوليات والأخريات، ولو تتبعناها على التفصيل لجاء مجلدات، وفي الإشارة كفاية لأهل التوفيق والهداية، ودليل ذلك في كثير من الآيات، فيصح أن تقول في هذا الكتاب إنَّه من كلام الشيخ، كما تقول في كلام الشيخ إنَّه من كلام الله، لأنَّه بمعناه، ولهذا تجده مشحوناً بالآيات، ثم نتبعها بالتأويلات، فإن قلت إنَّه قرآن صدقت، وإن قلت إنَّه فرقان صدقت، لأنَّه جامع ومفرق، وكذا إن قلت: إنَّه برهان أو نور لأنَّه يشرح الصدور" الخ. وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

(تلي هذا الموجز لوحات من بداية المخطوطة).

 
 
 

تعليقات


© 2023 By Afaq - Ammar Gohider.

مواقع التواصل الاجتماعي
  • Grey Facebook Icon
bottom of page